ضَبْطُ النَّفْسِ
الْخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، خَلَقَ النَّفْسَ فَسَوَّاهَا، وَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا
وَتَقْوَاهَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ
لَهُ، الْخَلاَّقُ
الْعَلِيمُ، الْمُدَبِّرُ الْحَكِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ
وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ،
وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ
عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ:( وَاتَّقُوا
يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ
وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)([1]).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ خَلَقَ
اللَّهُ تَعَالَى الإِنْسَانَ وَوَهَبَهُ الْعَقْلَ، وَأَوْدَعَ فِيهِ النَّفْسَ، وَأَلْهَمَهَا الرُّشْدَ؛
قَالَ سُبْحَانَهُ:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)([2]).
فَخَلَقَهَا سَوِيَّةً مُسْتَقِيمَةً عَلَى الْفِطْرَةِ الْقَوِيمَةِ([3]). وَرَكَّبَ
اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّفْسِ دَوَاعِيَ الْخَيْرِ، وَنَوَازِعَ الشَّرِّ، قَالَ
سُبْحَانَهُ:( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)([4]). قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَيْ بَيَّنَ لَهَا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ([5]). قَالَ
تَعَالَى:( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)([6]).
فقَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَجَمَّلَهَا بِأَفْضَلِ الأَخْلاَقِ
وَالشَّمَائِلِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)([7]). وَأَمَّا
مَنْ أَهْمَلَ نَفْسَهُ، وَرَضِيَ بِانْحِرَافِهَا؛ فَقَدْ خَسِرَ، قَالَ تَعَالَى:(
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)([8]).
فَهَنِيئًا لِمَنْ زَكَّى نَفْسَهُ وَضَبَطَ سُلُوكَهَا، فَحَمَلَهَا عَلَى التَّقْوَى،
وَسَلَكَ بِهَا سَبِيلَ الْهُدَى، وَأَبْعَدَهَا عَنْ طَرِيقِ الْهَوَى، قَالَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ عُصِمَ
مِنَ الْهَوَى، وَالْغَضَبِ، وَالطَّمَعِ"([9]).
فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى
النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)([10]). وَالْهَوَى
هُوَ مَا تَمِيلُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ حَلاَلٍ أَوْ حَرَامٍ، وَالَّذِي يَخَافُ
رَبَّهُ يُقْصِرُ هَوَاهُ عَلَى مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَبْتَعِدُ
عَمَّا يُثِيرُ النَّفْسَ مِنْ غَضَبٍ وَطَمَعٍ وَحِقْدٍ. قَالَ الشَّاعِرُ([11]): وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى
حُبِّ
الرَّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
عِبَادَ اللَّهِ: وَقَدْ دَعَانَا الشَّرْعُ الْحَنِيفُ إِلَى ضَبْطِ
النَّفْسِ، وَالإِمْسَاكِ بِزِمَامِهَا، فَلاَ نُطْلِقُ لَهَا الْعِنَانَ حِينَ غَيْظِهَا؛
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جُرْعَةً أَفْضَلَ
عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ، يَكْظِمُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ
اللَّهِ تَعَالَى»([12]). وَتِلْكَ
هِيَ الْقُوَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِلشَّخْصِيَّةِ، قَالَ
r:« لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ
نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»([13]). فَالْقَوِيُّ
مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ ثَوَرَانِ
غَضَبِهِ حَتَّى تَهْدَأَ، وَلَهُ بِذَلِكَ الأَجْرُ الْكَرِيمُ، وَالثَّوَابُ الْعَظِيمُ،
قَالَ r :« مَنْ كَظَمَ
غَيظاً، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ سُبحَانَهُ عَلَى رُؤُوسِ
الخَلاَئِقِ يَومَ القِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ»([14]).
فَيَا فَوْزَ مَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ، وَضَبَطَ نَفْسَهُ،
وَتَرَكَ غَضَبَهُ، وَعَمِلَ بَوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلاً
قَالَ لِلنَّبِيِّ r: أَوْصِنِي. قَالَ:« لاَ تَغْضَبْ».
فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ:« لاَ تَغْضَبْ»([15]). وَقَدْ مَدَحَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ كَظَمُوا غَيْظَهُمْ، وَتَحَكَّمُوا فِي غَضَبِهِمْ،
وَضَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ فَقَالَ:( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ
النَّاسِ)([16]) أَيِ:
الَّذِينَ إِذَا ثَارَ بِهِمُ الْغَيْظُ كَتَمُوهُ فَلَمْ يَعْمَلُوهُ، وعَفَوْا عَمَّنْ
أَسَاءَ إِلَيْهِمْ([17]).
وَلأَهَمِّيَّةِ ضَبْطِ النَّفْسِ كَانَ الصَّحَابَةُ
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يُوصُونَ النَّاسَ بِهِ، فَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَوْصِنِي. قَالَ: لاَ تَغْضَبْ.
قَالَ: أَمَرْتَنِي أَنْ لاَ أَغْضَبَ، وَإِنَّهُ لَيَغْشَانِي مَا لاَ أَمْلِكُ. قَالَ:
فَإِنْ غَضِبْتَ فَامْلِكْ لِسَانَكَ وَيَدَكَ([18]). فَيَا لَهَا
مِنْ نَصِيحَةٍ عَظِيمَةٍ، إِذْ إِنَّ النَّفْسَ لَوْ تُرِكَتْ عِنْدَ الْغَضَبِ؛ لَوَقَعَتْ
فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَفْعَالِ وَالأَقْوَالِ الَّتِي يَنْدَمُ عَلَيْهَا الْغَضْبَانُ،
وَقَدْ قَصَّ عَلَيْنَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ قِصَّةَ أَخَوَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَطْلَقَ
لِنَفْسِهِ عِنَانَ شُرُورِهَا، وَأَرْخَى لَهَا زِمَامَ حِقْدِهَا وَغَضَبِهَا، وَالآخَرِ
قَدْ ضَبَطَ نَفْسَهُ، وَحَجَّمَهَا وَأَلْجَمَهَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ
مِنْ سَبِيلٍ، فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى:( فَطَوَّعَتْ
لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)([19]) حَيْثُ
حَمَلَهُ الْحِقْدُ وَالْغَضَبُ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ، فَخَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ،
لِذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنَ
الشَّيْطَانِ، وَحَرَّمَهُ عَلَى النَّارِ: مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الرَّغْبَةِ
وَالرَّهْبَةِ، وَالشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ. وَهَذِهِ الأَرْبَعُ هِيَ مَبْدَأُ الشَّرِّ
كُلِّهِ([20]).
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: مِنْ وَسَائِلِ
ضَبْطِ النَّفْسِ الْبُعْدُ عَنِ الْجِدَالِ، وَكَفُّ اللِّسَانِ عَنِ الأَذَى، وَالاِنْتِهَاءُ
عَنْ الاِسْتِهْزَاءِ بِالآخَرِينِ وَالسُّخْرِيَةِ مِنْهُمْ، وَاجْتِنَابُ الْكَذِبِ
وَالنَّمِيمَةِ، فَمَا أَجْمَلَ أَنْ نُعَوِّدَ أَلْسِنَتَنَا عَلَى قَوْلِ الْخَيِرِ،
فَنَرُدَّ عَلَى الشَّيْطَانِ كَيْدَهُ، وَنُغْلِقَ عَلَيْهِ مَنَافِذَهُ وَطُرُقَهُ؛
قَالَ تَعَالَى:( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ
يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)([21]).
وَكَذَا تَرْوِيضُ النَّفْسِ عَلَى التَّوَاضُعِ وَالْحِلْمِ، وَالشَّفَقَةِ عَلَى
الآخَرِينَ وَالإِحْسَاسِ بِهِمْ، وَاسْتِشْعَارِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْرِفَةِ
فَضْلِ النَّاسِ وَمَكَانَتِهِمْ، قَالَ أَحَدُ الْحُكَمَاءِ: مَا نَازَعَنِي أَحَدٌ
إلاَّ أَخَذْتُ بِأُمُوْرٍ: إِنْ كَانَ فَوْقِي عَرَفْتُ لَهُ قَدْرَهُ, وَإِنْ كَانَ
دُونِي رَفَعْتُ قَدْرِي عَنْهُ- أَيْ تَرَفَّعْتُ عَنْهُ- وَإِنْ كَانَ مِثْلِي تَفَضَّلْتُ
عَلَيْهِ([22]). وَمَا
أَحْسَنَ أَنْ نُقَابِلَ الإِسَاءَةَ بِالإِحْسَانِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:(
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)([23]).
فَضَبْطُ النَّفْسِ وَتَهْذِيبُهَا، وَإِلْجَامُهَا بِلِجَامِ الْحِلْمِ وَالْحِكْمَةِ؛
يَجْعَلُ الشَّخْصِيَّةَ مُعْتَدِلَةً، مُقِرَّةً بِنِعَمِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ، وَمُقْتَدِيَةً
بِهَدْيِ النَّبِيِّ r فَيَكُونُ لَهَا الأَثَرُ
الطَّيِّبُ وَالسُّلُوكُ الْحَسَنُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الأُسْرَةِ وَزُمَلاَءِ الْعَمَلِ
وَمَعَ النَّاسِ جَمِيعًا، فَيُحَافِظَ عَلَى الرَّوَابِطِ الأُسَرِيَّةِ وَالْعَلاَقَاتِ
الاِجْتِمَاعِيَّةِ، وَيَنْشُرَ الْخَيْرَ وَالتَّآلُفَ وَالْمَوَدَّةَ بَيْنَ أَفْرَادِ
الْمُجْتَمَعِ.
فَاللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ
خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، وَوَفِّقْنَا جَمِيعًا لِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ r وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ, عَمَلاً بِقَوْلِكَ:( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)([24]).
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ،
وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا
وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ
وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ
وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ، إِنَّ
أَوَّلَ مَا نَتَوَاصَى بِهِ تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّ لِضَبْطِ النَّفْسِ
فَوَائِدَ جَلِيلَةَ الْقَدْرِ، عَظِيمَةَ الأَجْرِ، وَهِيَ مِنْ عَلاَمَاتِ الْحِكْمَةِ
وَصَوَابِ الرَّأْيِ وَرَجَاحَةِ الْعَقْلِ؛ قَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ مَبْلَغَ الرَّأْيِ حَتَّى يَغْلِبَ حِلْمُهُ جَهْلَهُ. وَقِيلَ
لأَحَدِ حُكَمَاءِ الْعَرَبِ: أَيُّ الرِّجَالِ أَشْجَعُ؟ قَالَ: مَنْ رَدَّ جَهْلَهُ
بِحِلْمِهِ([25]). كَمَا
أَنَّ لِضَبْطِ النَّفْسِ أَثَرَهُ الْمَشْهُودَ فِي الْمُجْتَمَعِ، فَيُعَزِّزُ التَّمَاسُكَ
وَالتَّرَابُطَ وَالْمَحَبَّةَ وَالْمَوَدَّةَ. فَهَلْ نَحْنُ مِنَ الَّذِينَ يَضْبِطُونَ
أَنْفُسَهُمْ، فَيَتَدَبَّرُونَ عَوَاقِبَ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَيَنْظُرُونَ
هَلْ تَنْفَعُهُمْ أَمْ تَضُرُّهُمْ، وَلاَ يَنْدَفِعُونَ وَرَاءَ انْفِعَالاَتِهِمْ
فِي مَوَاقِفِ الْغَضَبِ وَالْجِدَالِ وَالْخِصَامِ، فَيَقُولُونَ خَيْرًا فَيَغْنَمُوا،
أَوْ يَصْمُتُونَ فَيَسْلَمُوا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ،
وَاسْكُتْ تَسْلَمْ([26]).
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ
بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً»([27]). اللَّهُمَّ
صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ:
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، وَنَسْأَلُكَ
الْجَنَّةَ لَنَا وَلِوَالدينَا، وَلِمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا، وَلِلْمُسْلِمِينَ
أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، الَّذِينَ
انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَدْخِلِ اللَّهُمَّ فِي عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ
وَرَحْمَتِكَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ
عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ
اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ
تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلاَ تَدَعْ فِيْنَا وَلاَ مَعَنَا شَقِيًّا وَلاَ مَحْرُوْمًا.
اللَّهُمَّ
احْفَظْ أمتنا مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَدِمْ عَلَيْهَا
الأَمْنَ وَالأَمَانَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ([28]).
اللَّهُمَّ
اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ،
اللَّهُمَّ
أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ
الأَرْضِ.
رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)([29])
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكرُوهُ
علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ
الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)([30]).