عَامٌ هِجْرِيٌّ جَدِيدٌ
الْخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً،
جَعَلَ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ دُرُوسًا وَعِبَرًا، وَفَوَائِدَ وَقِيَمًا،
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ
شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ
اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا
وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ
تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالَ سُبْحَانَهُ:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ
كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)([1]).
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: مَعَ إِطْلاَلَةِ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ
تَعَالَى أَنْ يُدِيمَ عَلَيْنَا فِيهِ
الْخَيْرَ وَالنِّعَمَ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ عَامَ سَعَادَةٍ، وَمَحَبَّةٍ وَمَوَدَّةٍ
لِلإِنْسَانِيَّةِ جَمِيعِهَا، وَفِي هَذِهِ الأَيَّامِ يَتَجَدَّدُ الْحَدِيثُ عَنِ
الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، فَإِنَّهَا حَدَثٌ مُهِمٌّ فِي التَّارِيخِ
الإِنْسَانِيِّ، وَقَدِ اتَّخَذَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِدَايَةً لِلتَّأْرِيخِ، حَيْنَ جَمَعَ الصَّحَابَةَ
لِلْمَشُورَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرِّخْ لِمَبْعَثِ النَّبِيِّ r. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرِّخْ لِمُهَاجَرَةِ رَسُولِ
اللَّهِ r فَاسْتَقَرَّ الرَّأْيُ عَلَى التَّأْرِيخِ بِالْهِجْرَةِ
النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ([2]) لِكَوْنِهَا نَقْلَةً حَضَارِيَّةً
فِي تَارِيخِ النَّاسِ كَافَّةً، شَارَكَ فِيهَا الصَّحَابَةُ رِجَالاً وَنِسَاءً،
وَغَرَسَ النَّبِيُّ r شَجَرَةَ الْعَدْلِ بِالْمَدِينَةِ، وَأَرْسَى قَوَاعِدَ
الإِنْسَانِيَّةِ وَالرَّحْمَةِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ، وَوَضَعَ أُصُولَ
التَّعَايُشِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي تَقُومُ عَلَى حِفْظِ الْحُقُوقِ
وَأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَكَانَتْ وَثِيقَةُ الْمَدِينَةِ خَيْرَ شَاهِدٍ عَلَى
ذَلِكَ، وَانْطَلَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r يُعَمِّرُونَ الْبِلاَدَ، وَيُقِيمُونَ فِيهَا صُرُوحَ الْحَضَارَةِ
الإِنْسَانِيَّةِ، وَيَنْشُرُونَ مَبَادِئَ الإِسْلاَمِ السَّمْحَةَ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
وَمَعَ بِدَايَةِ الْعَامِ الْهِجْرِيِّ الْجَدِيدِ لاَبُدَّ لِلإِنْسَانِ
مِنْ وَقْفَةٍ، يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ عَلَى عَمَلِهِ فِي الْعَامِ الْمُنْقَضِي،
عَمَلاً بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:( يَوْمَئِذٍ
تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)([3]). وَقَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ
قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا([4]). وَالْمُؤْمِنُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا؛ قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ([5]). فَيَنْظُرَ مَاذَا عَمِلَ فِي دُنْيَاهُ لِيَفُوزَ فِي آخِرَتِهِ؟ هَلْ أَدَّى
الْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ؟ وَهَلِ اسْتَثْمَرَ الأَوْقَاتَ لِمُضَاعَفَةِ الْحَسَنَاتِ؟
وَمَاذَا أَنْجَزَ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ؟ وَمَاذَا قَدَّمَ لِمُجْتَمَعِهِ وَوَطَنِهِ؟
هَلِ ارْتَقَى بِأَدَائِهِ فِي عَمَلِهِ؟ هَلِ ازْدَادَ فِي عِلْمِهِ؟ هَلْ أَضَافَ
جَدِيدًا إِلَى خِبْرَاتِهِ وَنَجَاحَاتِهِ؟ فَإِنَّ الإِنْسَانَ سَيُسْأَلُ عَنْ جَسَدِهِ
فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ
وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ كَيْفَ عَمِلَ بِهِ؟
وَفِي بِدَايَةِ الْعَامِ الْجَدِيدِ يَسْأَلُ
الْمَرْءُ نَفْسَهُ: مَاذَا سَيُقَدِّمُ فِيهِ؟
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: لَقَدْ قَدَّمَتْ
لَنَا الْهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ عَدَدًا مِنَ الْمَعَانِي وَالْقِيَمِ، وَأَوَّلُهَا
مَعْنَى الْهِجْرَةِ، فَهِيَ تَعْنِي تَرْكَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ النَّبِيُّ r :« المُهَاجِرُ
مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»([6]). فَيُهَاجِرُ الْمُسْلِمُ إِلَى التَّحَلِّي بِالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ، وَطَلَبِ
الْعِلْمِ، وَبَذْلِ الْجُهْدِ فِيمَا يَرْفَعُ قَدْرَهُ، وَيَنْفَعُ أَهْلَهُ وَمُجْتَمَعَهُ
وَوَطَنَهُ، فَذَلِكَ هُوَ الطَّرِيقُ الْقَوِيمُ، وَفِيهِ الأَجْرُ الْعَظِيمُ إِذَا
نَوَى بِهِ مَرْضَاةَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r
:« إِنَّمَا الأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ»([7]).
وَتَحْمِلُ الْهِجْرَةُ
النَّبَوِيَّةُ
فِي أَحْدَاثِهَا قِيمَةَ التَّعَاوُنِ، فَكُلُّ فَرْدٍ
لَهُ دَوْرُهُ فِي خِدْمَةِ مُجْتَمَعِهِ، وَظَهَرَ ذَلِكَ فِي هِجْرَتِهِ r حَيْثُ تَعَاوَنَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدَّمَ حُسْنَ
الصُّحْبَةِ، وَبَذَلَ مَالَهُ وَرَاحِلَتَهُ، وَتَعَاوَنَ مَعَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ،
فَحِينَ قَالَ النَّبِيُّ r :« إِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَالصُّحْبَةُ
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:« نَعَمْ». قَالَ: فَخُذْ
بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ. قَالَتِ السَّيِّدَةُ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَجَهَّزْنَاهُمَا
أَسْرَعَ جِهَازٍ، وَضَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً- أَيْ طَعَامًا- فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ
أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَأَوْكَأَتْ- أَيْ رَبَطَتْ-
بِهِ الْجِرَابَ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ([8]).
وَهَذَا التَّمْكِينُ
لِلْمَرْأَةِ وَإِعْطَاؤُهَا فُرْصَةَ الْمُشَارَكَةِ أَظْهَرَ دَوْرَهَا وَجُهْدَهَا
فِي الْهِجْرَةِ، وَأَثْبَتَ أَنَّهَا شَرِيكَةٌ فِي
الإِنْجَازِ الدِّينِيِّ وَالْحَضَارِيِّ، وَلَمَّا لَحِقَ النَّبِيُّ r وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، وَمَكَثَ فِيهِ
ثَلاَثَ لَيَالٍ كَانَتْ أَسْمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا تَحْمِلُ لَهُمَا الزَّادَ، وَتَصْعَدُ بِهِ الْجَبَلَ
وَهِيَ حَامِلٌ، فَعَطَاءُ الْمَرْأَةِ لاَ حُدُودَ لَهُ.
عِبَادَ اللَّهِ: وَكَانَ لِتَعَاوُنِ الشَّبَابِ الدَّوْرُ الْمُهِمُّ، فَبِطَاقَاتِهِمْ تَتَحَقَّقُ الإِنْجَازَاتُ، وَتُتَخَطَّى التَحَدِّيَّاتُ، وَبِهِمْ تَنْهَضُ الْمُجْتَمَعَاتُ، وَمِنَ الشَّبَابِ الَّذِينَ تَعَاوَنُوا فِي الْهِجْرَةِ سَيِّدُنَا عَلِيُّ بْن أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ فِي رَيْعَانِ شَبَابِهِ حِينَ بَقِيَ فِي
مَكَّةَ حَتَّى يَرُدَّ الْوَدَائِعَ وَالْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَقَدْ سَبَقَ مُصْعَبُ بْنُ
عُمَيْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَنْشُرَ بِهَا الْعِلْمَ، وَيُعَلِّمَ النَّاسَ أُمُورَ
دِينِهِمْ، فَاتَّخَذَ الرِّفْقَ طَرِيقًا، وَاللِّينَ رَفِيقًا، فَفَتَحَتْ لَهُ
الْقُلُوبُ أَقْفَالَهَا، وَسَلَّمَتْ لَهُ الْعُقُولُ أَبْوَابَهَا، وَتَآزَرَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَتَرَاحَمُوا،
فَعَزَّزُوا قُوَّةَ مُجْتَمَعِهِمْ، وَارْتَقَوْا بِوَطَنِهِمْ، وَاسْتَأْنَفُوا
بِنَاءَ حَضَارَتِهِمْ.
وَتُعَلِّمُنَا الْهِجْرَةُ
النَّبَوِيَّةُ الاِهْتِمَامَ بِالْمَسَاجِدِ بِنَاءً وَعِمَارَةً،
وَرِعَايَةً وَعِنَايَةً، فَهِيَ مِنْ أَبْرَزِ مَظَاهِرِ حَضَارَتِنَا، فَالْمَسْجِدُ
أَوَّلُ بِنَاءٍ أَقَامَهُ النَّبِيُّ r فِي الْمَدِينَةِ؛ لِيَلْتَقِيَ
فِيهِ أَبْنَاءُ الْمُجْتَمَعِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ، فَتَآلَفَتْ قُلُوبُهُمْ،
وَاكْتَمَلَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، قَالَ سُبْحَانَهُ:( هُوَ
الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ)([9]).
فَاللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِلتَّأَسِي بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ فِي أَقْوَالِنَا
وَأَفْعَالِنَا، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ
الأَمِينِ r وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا
بِطَاعَتِهِ، عَمَلاً بِقَوْلِكَ:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)([10]).أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ،
فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ
لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا
عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ،
وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أُوصِيكُمْ
عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: يَتَعَلَّمُ الْمُسْلِمُ مِنَ الْهِجْرَةِ
النَّبَوِيَّةِ عَظَمَةَ دِينِهِ وَجَوْهَرَهُ، وَقِيَمَهُ الْحَضَارِيَّةَ الَّتِي
تَعْتَمِدُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ، وَنَشْرِ السَّلاَمِ، وَالتَّكَافُلِ وَالتَّعَايُشِ،
وَالتَّرَاحُمِ وَالتَّعَارُفِ بَيْنَ النَّاسِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا خَطَبَ بِهِ النَّبِيُّ r فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ؛ قَوْلَهُ r :« يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ،
وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»([11]).
فَكَانَ النِّدَاءُ الأَوَّلُ نِدَاءً إِنْسَانِيًّا
عَامًّا، يَفُوحُ بِالْحُبِّ،
وَيَصْدَحُ بِالْوُدِّ، أَظْهَرَ مَبَادِئَ الإِسْلاَمِ وَقِيَمَهُ، وَأَوَّلُهَا
نَشْرُ السَّلاَمِ بِمَعْنَاهُ الْعَامِّ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، فَهُوَ مِنْ شِيَمِ
الْكِرَامِ، وَصِلَةُ الأَرْحَامِ، وَلَمْ تَكُنِ الْهِجْرَةُ
النَّبَوِيَّةُ سَبَبًا فِي قَطْعِ الأَرْحَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
وَأَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ، فَكَانَ النَّبِيُّ r أَحْرَصَ
النَّاسِ عَلَى صِلَتِهَا، وَمَدِّ جُسُورِهَا، فَقَالَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ:« وَاللَّهِ
لاَ تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ
إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»([12]).
فَهَلْ نَهْجُرُ مَا نَهَى
اللَّهُ عَنْهُ؟ وَهَلْ نُعَلِّمُ ذَلِكَ بَنَاتِنَا وَأَبْنَاءَنَا؟
صيام يوم عاشوراء
يكفر السنة الماضية لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى
اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ
وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ
الَّتِي قَبْلَهُ " رواه مسلم 1162. وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام
يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم .
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ
بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا)([13]). وَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ
r :« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
بِهَا عَشْرًا»([14]). اللَّهُمَّ
صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ انْشُرِ
الاِسْتِقْرَارَ وَالسَّلاَمَ فِي بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَالَمِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ
الصَّحَابَةِ الأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلِ الصَّبْرَ سَبِيلَنَا لِلإِبْدَاعِ وَطَلَبِ
الْعِلْمِ وَالْمَعَالِي وَخِدْمَةِ الْوَطَنِ، وَرَفْعِ رَايَتِهِ فِي
الأَعَالِي.
اللَّهُمَّ ارْزُقِ النِّسَاءَ الطُّمَأْنِينَةَ وَالنَّجَاحَ وَالْفَوْزَ
وَالْفَلاَحَ.
اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ
ارْحَمْهُمْ رَحْمَةً وَاسِعَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَأَفِضْ عَلَيْهِمْ مِنْ
خَيْرِكَ وَرِضْوَانِكَ.
اللَّهُمَّ
احْفَظْ لِأمتنا اسْتِقْرَارَهَا وَرَخَاءَهَا، وَبَارِكْ فِي خَيْرَاتِهَا،
وَأَدِمْ عَلَيْهَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَز
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْحِكْمَةَ فِي أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا،
وَاجْعَلْنَا مِنَ الْمُوفِينَ بِالْوُعُودِ، الْحَافِظِينَ لِلْعُهُودِ يَا ذَا
الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ،
وَاشْكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ.