رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ
اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ
فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ
بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)([1]).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، اسْمَيِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:(
وَإِلَهُكُمْ
إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)([2]). فَقَدْ
كَتَبَ رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ الرَّحْمَةَ عَلَى نَفْسِهِ، قَالَ تَعَالَى:( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)([3]). وَسَبَقَتْ
رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« إِنَّ
اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي
سَبَقَتْ غَضَبِي»([4]). وَفَتَحَ
أَبْوَابَهَا لِعِبَادِهِ، وَنَشَرَهَا بَينَ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ، قَالَ r :« جَعَلَ
اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ
جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ
يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا،
خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ»([5]). فَهُوَ
جَلَّ جَلَالُهُ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمُهُمَا، وَهُوَ
أَرْحَمُ بِالْعَبْدِ مِنَ الْأُمِّ بِوَلَدِهَا، قَالَ r حِينَمَا رَأَى امْرَأَةً تُرْضِعُ وَلَدَهَا:« أَتَرَوْنَ هَذِهِ
طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟».
فَقَالَ الصَّحَابَةُ: لَا. فَقَالَ r :« لَلَّهُ
أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا»([6]).
وَالْقُرْآنُ الْكَرِيْمُ مُفْعَمٌ
بِمَضَامِينِ الرَّحْمَةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى:(
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ
لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)([7]).
وَرَحْمَةُ اللَّهِ
مَقْصِدُ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَيَدْعُونَ بِهَا لِلتَّائِبِينَ فَيَقُولُونَ:(
رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)([8]).
فَبِرَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ يَحْفَظُنَا وَيَحْمِينَا ( فَاللَّهُ خَيْرٌ
حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)([9]).
وَبِهَا يَغْفِرُ زَلَّاتِنَا، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِنَا، فَقَدْ قُرِنَتِ
الْمَغْفِرَةُ بِالرَّحْمَةِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:( وَقُلْ
رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)([10]).
وَمِنْ
رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ أَرْسَلَ لَنَا نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا r قَالَ تَعَالَى:( وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)([11]).
فَكَانَ r الرَّحْمَةَ الْمُهْدَاةَ يَرْحَمُ الصَّغِيرَ وَالكَبِيرَ،
وَيَعْطِفُ عَلَى الضَّعِيفِ وَالْمِسْكِينِ، وَالْقَرِيْبِ وَالْبَعِيدِ،
وَالْمُسْلِمِ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِ، وَقَالَ r :« إِنَّمَا
بُعِثْتُ رَحْمَةً»([12]). وَغَرَسَ
r قِيَمَ الرَّحْمَةِ فِي نُفُوسِ أَصْحَابِهِ، فَكَانَتْ
الْأَسَاسَ فِي عَلَاقَاتِهِمْ وَتَعَامُلَاتِهِمْ، حَتَّى وَصَفَهُمْ رَبُّنَا
جَلَّ جَلَالُهُ بِقَوْلِهِ:( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)([13]).
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ
التَّخَلُّقَ بِخُلُقِ الرَّحْمَةِ مِنْ دَلَائِلِ الْإِيمَانِ، أَوْدَعَهَا اللَّهُ
تَعَالَى قُلُوبَ عِبَادِهِ، فَالْمُؤْمِنُ رَحِيمٌ بِخَلْقِ اللَّهِ، يُحِبُّ
لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَبْذُلُ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَنَالُ بِهِ
رَحْمَةَ رَبِّهِ، فَهُوَ مَصْدَرُ خَيْرٍ وَرَحْمَةٍ وَسَلَامٍ لِلْعَالَمِينَ، قَالَ
r :« لَا
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَرَاحَمُوا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
كُلُّنَا رَحِيمٌ. فَقَالَ r :« إِنَّهُ
لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ خَاصَّتَهَ، وَلَكِنْ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ»([14]).
فَبِالرَّحْمَةِ وَالتَّرَاحُمِ تَطِيبُ الْحَيَاةُ، وَيَسْعَدُ النَّاسُ،
وَتَتَآلَفُ الْقُلُوبُ، وَتَتَجَانَسُ الْأَرْوَاحُ، وَيُصْبِحُ الْمُجْتَمَعُ
جَسًدًا وَاحِدًا.
أَيُّهَا
الرُّحَمَاءُ: اعْلَمُوا أَنَّ لِلرَّحْمَةِ مُوجِبَاتٍ، يَسْتَحِقُّ
بِهَا الْعَبْدُ رَحْمَةَ رَبِّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، فَقَدْ نَسَبَ اللَّهُ
عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ إِلَى اسْمِهِ الرَّحْمَنِ جَلَّ جَلَالُهُ، فَقَالَ تَعَالَى:( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ)([15]).
وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ مُلِئَتْ رَحْمَةً وَلُطْفًا وَإِحْسَانًا
إِلَى الخَلْقِ أَجْمَعِينَ. فَرَحْمَةُ اللَّهِ أَرْجَى مَا تَكُونُ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:( وَأَدْخَلْنَاهُمْ
فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ)([16]).
وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنَ الْعَبْدِ الْمُحْسِنِ، قَالَ تَعَالَى:( إِنَّ
رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)([17]).
وَمَنِ اسْتَمَعَ لِكَلَامِ رَبِّهِ وَأَنْصَتَ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ؛
أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيهِ مِنْ رَحَمَاتِهِ، قَالَ تَعَالَى:( وَإِذَا
قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)([18]). وَقَالَ سُبْحَانَهُ:( وَهَذَا
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ)([19]).
وَيَنَالُ رَحْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ أَوَى إِلَى رَبِّهِ وَأَنَابَ إِلَيهِ، وَاعْتَصَمَ بِهِ
وَتَوَكَّلَ عَلَيهِ، قَالَ تَعَالَى:( فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ
وَفَضْلٍ)([20]). وَلِلْمُسْتَغْفِرِينَ أَوْفَرُ الحَظِّ وَالنَّصِيبِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، قَالَ تَعَالَى:( لَوْلَا
تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)([21]). وَمَنْ سَأَلَ الرَّحْمَةَ مِنْ رَبِّهِ نَالَهَا، وَنَالَ بِهَا
سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ،
قَالَ تَعَالَى:( إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا
آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)([22]). فَاللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،
وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَالفَوْزَ
بِالْجَنَّةِ، وَأَنْ تُوَفِّقَنَا
جَمِيعًا لِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ r وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا
بِطَاعَتِهِ، عَمَلًا بِقَوْلِكَ:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)([23]).
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ
وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي
وَلَكُمْ،
فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ،
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ.
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي
بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ:
لَقَدْ
وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى
الرُّحَمَاءَ مِنْ عِبَادِهِ بِنَيْلِ رَحْمَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ
r :« الرَّاحِمُونَ
يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي
السَّمَاءِ»([24]).
فَالْمُؤْمِنُ رَحِيمٌ بِنَفْسِهِ وَبِوَالِدَيهِ،
يُدْخِلُ السُّرُورَ علَى قُلُوبِهِمْ، وَيَسْأَلُ اللَّهَ الرَّحْمَةَ لَهُمْ،
قَالَ تَعَالَى:( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ
رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)([25]).
وَرَحِيمٌ
بِأَهْلِ بَيْتِهِ، يَعْطِفُ عَلَيْهِمِ، وَيُحْسِنُ
إِلَيْهِمْ، وَرَحِيمٌ بِذَوِي قَرَابَتِهِ، يَتَفَقَّدُ أَحْوَالَهُمْ، وَيَسْعَى
عَلَى إِنْفَاذِ حَوَائِجِهِمْ، وَالإِنْفَاقِ عَلَيهِمْ، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ r :« أَهْلُ الْجَنّةِ ثَلاَثَةٌ - وَذَكَرَ
مِنْهُمْ - وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَىَ»([26]). وَالْمُعَلِّمُ رَحِيمٌ بِتَلَامِيذِهِ، نُصْحًا وَتَعْلِيمًا،
فَيَصْبِرُ عَلَيهِمْ، وَيَرْفِقُ بِهِمْ، وَلِذَا قَدَّمَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ
عَلَى الْعِلْمِ، حِينَمَا قَالَ:( آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا
وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)([27]).
وَالطَّبِيبُ رَحِيمٌ بِالْمَرْضَى، يُدَاوِي
جِرَاحَهُمْ، وَيُخَفِّفُ آلَامَهُمْ، وَيَفْتَحُ أَبْوَابَ الْأَمَلِ أَمَامَهُمْ،
وَالْمُوَظَّفُ رَحِيمٌ بِمُرَاجِعِيهِ، يُسَهِّلُ مُعَامَلَاتِهِمْ
وَيُيَسِّرُها، وَيَلِينُ بِالْقَولِ لَهُمْ، وَالتَّاجِرُ رَحِيمٌ بِالنَّاسِ،
يَصْدُقُ فِي بَيْعِهِ لَهُمْ، قَالَ r :« رَحِمَ
اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»([28]).
وَالْمُسْلِمُ يَرْحَمُ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ؛ مِنْ طَيْرٍ أَوْ حَيَوَانٍ،
فَيَشْكُرُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ صُنْعَهُ، وَيَغْفِرُ لَهُ ذَنْبَهُ، فَعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ :« بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ
بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ
الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ
مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ، فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً،
فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقَالَ:« فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ
رَطْبَةٍ أَجْرٌ»([29]) .
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ
بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)([30]).
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
بِهَا عَشْرًا»([31]). اللَّهُمَّ
صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. وارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ:
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْبَارِّينَ بِآبَائِهِمْ
وَأُمَّهَاتِهِمْ، الْمُحْسِنِينَ إِلَى أَهْلِيهِمْ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ
ارْحَمْهُمْ رَحْمَةً وَاسِعَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَأَفِضْ عَلَيْهِمْ مِنْ
خَيْرِكَ وَرِضْوَانِكَ. وَأَدْخِلِ اللَّهُمَّ فِي عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ
وَرَحْمَتِكَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ
عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ،
وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ
إِثْمٍ، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةَ
مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا
إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا دَيْنًا إِلَّا قَضَيْتَهُ، وَلَا مَرِيضًا إِلَّا شَفَيْتَهُ،
وَلَا مَيِّتًا إِلَّا رَحِمْتَهُ، وَلَا حَاجَةً إِلَّا قَضَيْتَهَا وَيَسَّرْتَهَا
يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ، فَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِالْإِجَابَةِ
جَدِيرٌ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ للأمة
اسْتِقْرَارَهَا وَرَخَاءَهَا، وَزِدْهَا نِعَمًا، وَعِلْمًا
وَحَضَارَةً، وَتَسَامُحًا وَسَعَادَةً، وَجَمَالًا وَنَظَافَةً، وَبَارِكْ
فِي خَيْرَاتِهَا، وَأَدِمْ عَلَيْهَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ يَا رَبَّ
الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ انْشُرِ
الاِسْتِقْرَارَ وَالسَّلَامَ فِي بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَالَمِ أَجْمَعِينَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اذْكُرُوا اللَّهَ
الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ.