إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
جَعَلَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ رَبِيعًا لِلْقُلُوبِ، وَشِفَاءً لِلصُّدُورِ، وَنُورًا لِلْعُقُولِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ
قَرَأَ الْقُرْآنَ وَرَتَّلَهُ، وَعَمِلَ بِهِ وَعَلَّمَهُ، وَتَدَبَّرَ مَعَانِيَهُ
فَذَاقَ حَلَاوَتَهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا
وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ
تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ،
قَالَ تَعَالَى:( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ
مِن كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي
عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)([1]).
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)([2]). فَشَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ الصِّيَامِ، وَفِيهِ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ، وَبِهِمَا تَجْتَمِعُ شَفَاعَتَانِ،
قَالَ
رَسُولُ
اللَّهِ r :«الصِّيَامُ
وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([3]). فَاقْرَأُوا الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، فَفِيهِ الْبَرَكَةُ
وَالرَّحْمَةُ، قَالَ سُبْحَانَهُ:( وَهَذَا
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ)([4]). فَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ، وَأَفْصَحُهُ
وَأَبْيَنُهُ، وَأَحْلَاهُ وَأَعْذَبُهُ، قَالَ تَعَالَى:( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا
مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)([5]). إِنَّهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا تَنْتَهِي عِبَرُهُ، وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ،
تَلَذُّ بِهِ الْأَسْمَاعُ، وَتَسْعَدُ بِهِ الْقُلُوبُ، اسْتَشْعَرَ حَلَاوَتَهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ حِينَ سَمِعَهُ -وَهُوَ
غَيْرُ مُسْلِمٍ- فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً -أَيْ حُسْنًا
وَجَمَالًا- وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ -أَيْ كَثِيرٌ خَيْرُهُ-
وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى عَلَيْهِ([6]).
فَلِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
حَلَاوَةٌ، يَسْتَشْعِرُهَا الْإِنْسَانُ بِسَمْعِهِ وَقَلْبِهِ، وَيُدْرِكُهَا بِرُوحِهِ
وَعَقْلِهِ، فَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
رَأَيْتُ ظُلَّةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ تَنْطِفُ -أَيْ سَحَابَةً
تُمْطِرُ- عَسَلًا وَسَمْنًا، وَرَأَيْتُ أُنَاسًا يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا -يَعْنِي:
يَأْخُذُونَ مِنْهَا بِأَكُفِّهِمْ- فَمُسْتَكْثِرٌ وَمُسْتَقِلٌّ... فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فَأَعْبُرَهَا -أَيْ
أُفَسِّرَهَا- فَقَالَ r :« اعْبُرْهَا». فَقَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالْإِسْلَامُ، وَأَمَّا
الْعَسَلُ وَالسَّمْنُ فَالْقُرْآنُ؛ حَلَاوَةُ الْعَسَلِ وَلِينُ السَّمْنِ، وَأَمَّا
الَّذِينَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهُ فَهُمْ حَمَلَةُ الْقُرْآنِ([7]).
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَفَقَّدُوا
الْحَلَاوَةَ فِي ثَلَاثٍ: فِي الصَّلَاةِ، وَفي الْقُرْآنِ، وَفي الذِّكْرِ، فَإِنْ
وَجَدْتُمُوهَا فَامْضُوا وَأَبْشِرُوا([8]).
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ: كَيْفَ نَجِدُ حَلَاوَةَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ كَمَا وَجَدَهَا
النَّبِيُّ r وَأَصْحَابُهُ؟ إِنَّ حَلَاوَةَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ يَجِدُهَا مَنْ أَحَبَّهُ وَعَظَّمَهُ، وَاسْتَشْعَرَ أَنَّهُ خِطَابٌ مِنَ
اللَّهِ تَعَالَى لَهُ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: مَنْ كَانَ
يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَعْرِضْ
نَفْسَهُ عَلَى الْقُرْآنِ، فَإِنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ
تَعَالَى، فَإِنَّمَا الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ([9]). وَمَنْ أَحَبَّ كَلَامَ اللَّهِ
تَعَالَى أَكْثَرَ مِنْ تِلَاوَتِهِ،
فَقَدْ كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ r يَجِدُ حَلَاوَةَ الْقُرْآنِ فَي
قِرَاءَتِهِ بِتَمَهُّلٍ وَسَكِينَةٍ، فَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ r
مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا([10]). وَيَقْرَأُ r بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَأْخُذَ وَقْتًا أَكْثَرَ فِي تِلَاوَتِهَا([11]). عَمَلاً
بِقَوْلِهِ تَعَالَى:( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى
مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا)([12]). أَيْ: لِتَتْلُوَهُ عَلَيْهِمْ عَلَى مَهَلٍ([13]) تِلَاوَةً يَتَمَكَّنُ الْقَارِئُ وَالْمُسْتَمِعُ
مِنْ تَدَبُّرِهَا، وَالتَّفَكُّرِ فِي مَعَانِيهَا، وَتَذَوُّقِ حَلَاوَتِهَا، فَحَلَاوَةُ الْقُرْآنِ تَزِيدُ بِكَثْرَةِ التِّلَاوَةِ، وَالتَّمَهُّلِ
فِيهَا مِنْ غَيْرِ عَجَلَةٍ، قَالَ سُبْحَانَهُ:( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)([14]).
وَإِنَّ قِرَاءَةَ
الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي اللَّيْلِ وَالْقِيَامَ
بِهِ أَدْعَى لِتَذَوُّقِ حَلَاوَتِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ
قِيلًا)([15]). أَيْ:
إِنَّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ توَافُقًا بَيْنَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَأَدْفَعُ
لِلْغَفْلَةِ، وَأَجْلَبُ لِلْحَسَنَاتِ. وَقَدْ حَثَّنَا النَّبِيُّ r عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ بِالْقُرْآنِ؛ لِنَجِدَ حَلَاوَتَهُ،
وَنَسْتَشْعِرَ لَذَّتَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:« مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ،
وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ
كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِينَ»([16]). أَيِ: الْمُكْثِرِينَ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ([17]).
أَيُّهَا الْمُتَذَوِّقُونَ حَلَاوَةَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ حَلَاوَةَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ يَتَذَوَّقُهَا كُلُّ مَنِ اسْتَمَعَ لِآيَاتِهِ فَوَعَاهَا بِقَلْبِهِ، وَتَفَهَّمَهَا
بِعَقْلِهِ([18]). قَالَ سُبْحَانَهُ:( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ
قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)([19]). وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِنْصَاتِ إِلَى كَلَامِهِ، وَرَبَطَ ذَلِكَ بِرَحْمَتِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)([20]). وَكَاَن رَسُولُ اللَّهِ r يَسْتَمِعُ إِلَى الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
وَيَجِدُ لِذَلِكَ مَحَبَّةً وَحَلَاوَةً، فَقَالَ r لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:« اقْرَأْ عَلَيَّ». قَالَ: أَقْرَأُ
عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ:« إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ
غَيْرِي». فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ:( فَكَيْفَ
إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ
شَهِيدًا)([21]). رَفَعْتُ رَأْسِي، فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ r تَسِيلُ([22]).
وَاسْتَوْقَفَتِ
النَّبِيَّ r حَلَاوَةُ الاِسْتِمَاعِ
إِلَى الْقُرْآنِ، فَبَيْنَمَا كَانَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِهِ إِذْ سَمِعَ قِرَاءَةَ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي قَالَ r لَهُ:« لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ
لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»([23]).
وَوَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَالَ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ سَمَاعِ آيَاتِهِ، وَتَأَثُّرَهُمْ بِمَعَانِيهِ،
وَتَذَوُّقَهُمْ حَلَاوَتَهُ، فَقَالَ تَعَالَى:(
إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ
لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا
لَمَفْعُولًا* وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)([24]).
فَاللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مِنَ الْقُرْآنِ مَا
يَنْفَعُنَا، وَذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّينَا، وَارْزُقْنَا لَذَّةَ
تَدَبُّرِهِ وَحَلَاوَةَ الْعَمَلِ بِمَا فِيهِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَوَفِّقْنَا اللَّهُمَّ لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ
مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ r وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ، عَمَلاً بِقَوْلِكَ:(
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ)([25]).
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ،
وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ،
فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ
الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ،
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي
بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: إِنَّ حَلَاوَةَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ يُدْرِكُهَا مَنْ سَمِعَهُ بِتَأَمُّلٍ، وَقَرَأَهُ
بِتَدَبُّرٍ، فَفَهِمَ مَعَانِيَهُ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، فَكَانَ لَهُ شِفَاءً، قَالَ تَعَالَى:( وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)([26]).
وَإِنَّ ثَمَرَةَ تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ أَنْ نَعْمَلَ بِهِ، وَقَدْ
أَثْنَى اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ عَلَى أَصْحَابِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ r
فَقَالَ:( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ)([27]). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: أَيْ: يُحِلُّونَ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ([28]). وَيَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ([29]). وَالَّذِينَ
يَتْلُونَ الْقُرْآنَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ
يَرَوْنَهُ رَسَائِلَ مِنْ رَبِّهِمْ، فَيَتَدَبَّرُونَهَا بِاللَّيْلِ، وَيَعْمَلُونَ
بِهَا فِي النَّهَارِ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ
بِالصَّلاَةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى :(إِنَّ اللَّهَ
وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)([30]).
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« مَنْ
صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»([31]). اللَّهُمَّ
صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ:
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ
الأَكْرَمِينَ. اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا وَصَالِحَاتِ
أَعْمَالِنَا.
اللَّهُمَّ انْشُرِ
الاِسْتِقْرَارَ وَالسَّلاَمَ فِي بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَالَمِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ. اللَّهُمَّ
ارْحَمْهُمْ رَحْمَةً وَاسِعَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَأَفِضْ عَلَيْهِمْ
مِنْ خَيْرِكَ وَرِضْوَانِكَ. وَأَدْخِلِ اللَّهُمَّ فِي عَفْوِكَ
وَغُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا
وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا.
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ،
وَاشْكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
أَجْمَعِينَ